

تحت مظلة الحماية الأمريكية والغربية تعربد إسرائيل في المنطقة العربية بدون رادع. دمرت غزة وقتلت مئات الآلاف من أهلها.
اجتثت عائلات كاملة من جذورها، قتلت كل أبنائها . دمرت البنية التحتية والفوقية تماما.
ضربت جنوب لبنان وأفقدت حزب الله فاعليته وحجمت إمكانياته وتحركات قواته.
احتلت أراضي جديدة من سوريا، وما زال الغد في جعبته الكثير، تنفيذا لمخطط تقسيم المنطقة العربية والشرق الأوسط وفقا لمخطط برنارد لويس وزيجينو بريجينسكي.
لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط مسرحًا للعديد من الصراعات والتطورات السياسية الكبرى التي شكلت معالمه التاريخية والجغرافية.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى الدور الغربي في المنطقة على أنه محوري، حيث اتسمت سياسة القوى الغربية بتدخلات مستمرة تهدف إلى تقويض الاستقرار في الدول العربية وتقسيمها إلى كيانات ضعيفة ومتنافرة.
ويعدّ هذا التوجه جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى ضمان الهيمنة الغربية على المنطقة، وتنفيذ مخططات استعمارية بدأت مع اتفاقات سايكس-بيكو في أوائل القرن العشرين، وتواصلت في مراحل لاحقة من خلال رؤى استراتيجية وضعها مفكرون غربيون مثل برنارد لويس وزبغنيو بريجنسكي.
تعود جذور المؤامرة الغربية إلى اتفاقية سايكس-بيكو الموقعة عام 1916 بين المملكة المتحدة وفرنسا، والتي قسّمت الإمبراطورية العثمانية إلى مناطق نفوذ وفقًا لمصالح الدول الاستعمارية.
كان الهدف الأساسي من هذه الاتفاقية هو تقسيم الشرق الأوسط إلى دول صغيرة ضعيفة يسهل التحكم فيها.
أدى ذلك إلى خلق دول حديثة لم تكن تعكس التركيبة الطائفية والعرقية للمجتمعات العربية، مما زرع بذور النزاعات والصراعات التي نعاصرها اليوم.
من أبرز المفكرين الغربيين الذين طوروا أفكارًا حول تقسيم الشرق الأوسط كان الباحث الأمريكي برنارد لويس.
في كتابه الشهير «من هنا إلى الأبد»، طرح لويس فكرة تقسيم الدول العربية إلى دويلات طائفية وعرقية.
وبرر أفكاره بأن الشرق الأوسط لا يمكن أن يتقدم إلا من خلال إعادة تشكيله بحيث يتم تقسيمه إلى كيانات صغيرة على أسس دينية وطائفية وعرقية، مما يسهل السيطرة عليها.
بينما الحقيقة أن رؤية لويس كانت تقوم على فكرة أن الدول الكبرى يمكنها فرض هيمنتها على تلك الكيانات الصغيرة المتنازعة من خلال تعزيز الانقسامات الداخلية، مما يضعف القوة العربية ويجعلها غير قادرة على مواجهة الهيمنة الغربية أو التوسع الروسي في المنطقة.
أما زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، فقد كانت له أفكار مشابهة في سياق استراتيجية الغرب في الشرق الأوسط. في كتابه «بين عصرين»، أشار إلى أن السيطرة على الشرق الأوسط ضرورية لأمن الغرب، وأن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي من خلال تحفيز الانقسامات الطائفية والعرقية.
يرى بريجنسكي أن تقويض الوحدة العربية سيؤدي إلى تراجع قوتها السياسية والعسكرية، مما يسهل التحكم في المنطقة بشكل كامل.
لا يمكن الحديث عن المؤامرة الغربية في الشرق الأوسط دون الإشارة إلى دور إسرائيل في تنفيذ هذه الاستراتيجيات.
منذ قيامها في عام 1948، سعت إسرائيل إلى تحقيق استراتيجياتها الخاصة بالتوسع والسيطرة على المنطقة.
كانت إسرائيل عنصرًا أساسيًا في دعم الانقسامات الطائفية والعرقية في الدول العربية، حيث سعت إلى تعزيز الصراعات الداخلية في دول مثل لبنان والعراق وسوريا، مما أضعف تلك الدول وجعلها عرضة للتدخلات الخارجية.
استفادت إسرائيل من الفوضى في الشرق الأوسط من خلال توسيع نطاق تحالفاتها مع القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، واستخدام هذه التحالفات في خدمة مصالحها الإقليمية. وبذلك، ساهمت في استكمال مخططات التقسيم التي طرحها برنارد لويس وبريجنسكي.
كانت المنطقة العربية شهدت ما عُرف بثورات «الربيع العربي»، التي شكلت نقطة تحول في تاريخ الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن الثورات بدأت كمطالب شعبية ضد الأنظمة الحاكمة ، إلا أن القوى الغربية استغلت هذه الأحداث لتوسيع نطاق الفوضى وزيادة الانقسامات الطائفية.
تدعم هذه النظرية حقيقة أن العديد من الثورات تم اختراقها من قبل قوى أجنبية، مما أدى إلى تحول بعض الدول إلى ساحات صراع طويلة الأمد، كما في ليبيا وسوريا واليمن.
من خلال تدخلاتها العسكرية والدبلوماسية في المنطقة، سعت القوى الغربية إلى دعم الانقسامات الطائفية والعرقية في الشرق الأوسط.
في العراق، على سبيل المثال، كان الغزو الأمريكي عام 2003 بمثابة نقطة فارقة في تقسيم الدولة إلى كيانات طائفية متناحرة.
كما أن التدخل الغربي في ليبيا أدى إلى انهيار الدولة وتحولها إلى دولة فاشلة مليئة بالميليشيات المتنازعة، وهو ما يعكس استراتيجية الغرب في تعزيز الفوضى وتقويض أي محاولة للوحدة في المنطقة.
إضافة إلى التدخلات العسكرية، استخدم الغرب أدوات القوة الناعمة للتأثير على الدول العربية. من خلال المنظمات الدولية، وسائل الإعلام، والمساعدات الاقتصادية، سعى الغرب إلى التأثير على السياسات الداخلية للدول العربية، خاصة تلك التي كانت تُعتبر تهديدًا للهيمنة الغربية، مثل سوريا والعراق.
وتهدف هذه الأدوات إلى خلق بيئة من القبول العربي بالتدخلات الأجنبية والهيمنة الغربية على الشؤون الداخلية.
من ضمن الأدوات التي استخدمها الغرب لتنفيذ هذه الاستراتيجية كان دعم الجماعات المسلحة المتطرفة.
على سبيل المثال، كانت هناك تقارير عن دعم غربي لجماعات مثل داعش والقاعدة في سوريا والعراق، حيث ساهمت هذه الجماعات في تدمير البنية التحتية للدول العربية وزرع الفوضى في المنطقة.
من خلال تعزيز هذه الجماعات، ساعد الغرب في تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية، مما يسهل عملية تقسيم الدول إلى دويلات صغيرة.
من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجيات، يحقق الغرب العديد من المكاسب، أهمها السيطرة على مصادر الطاقة في المنطقة، وخاصة النفط.
كما أن تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة يسهم في إضعاف أي مقاومة سياسية أو عسكرية ضد الهيمنة الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، تمكّن الغرب من ضمان مصالحه الاقتصادية من خلال التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول العربية، وكذلك تحقيق التوازن الإقليمي الذي يخدم مصالحه، خاصة عبر التحالفات مع إسرائيل.
تبنت القوى الغربية استراتيجيات عدة لتقسيم الشرق الأوسط إلى كيانات ضعيفة ومتناحرة، وذلك بهدف ضمان السيطرة على المنطقة.
هذه السياسات تتجسد في مخططات برنارد لويس وزبغنيو بريجنسكي، بالإضافة إلى دور إسرائيل كعنصر رئيسي في تنفيذ هذه الاستراتيجيات.
وفي الوقت الذي تبقى فيه العديد من الدول العربية ضحية لهذه السياسات، فإن التحديات الحالية تفرض على المنطقة ضرورة السعي نحو وحدة أكبر لمواجهة المخاطر التي تهدد سيادتها واستقرارها.