

بقلم / رجاء القماش
“حين تصنع السوشيال ميديا قدوات زائفة”
الهوية ليست شعارًا يُرفع، بل جذور تمتد في عمق التاريخ لتصنع حاضرنا ومستقبلنا. لكن في زمن السوشيال ميديا، ظهرت قدوات زائفة تلمع في عيون الشباب، بينما تحمل في جوهرها فراغًا يهدد الانتماء ويُضعف الوعي. إن ترك الساحة لهذه النماذج المضللة يعني التفريط في أخطر ما نملك وعينا وثقافتنا.
لم تعد معارك الأمم تُخاض بالسلاح وحده، بل باتت تدور في العقول والقلوب. ومع الطفرة التكنولوجية الهائلة، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة لتشكيل الوعي وصناعة الرموز. وللأسف، ما يتصدر هذه الساحة في كثير من الأحيان شخصيات افتراضية لا تمثل قيم المجتمع، ولا تعكس هويته الأصيلة، بل تسوّق لأنماط سطحية تفرغ الانتماء من معناه.
هذه الظاهرة ليست مجرد ترف ثقافي، بل خطر حقيقي على المجتمع؛ إذ تؤدي إلى تفكك الرابط بين الأجيال، وتزرع في الشباب شعورًا بالاغتراب، وتجعلهم أسرى لقدوات وهمية تقدم بريقًا زائفًا بلا مضمون. والمجتمع الذي يسمح لهذه النماذج بأن تُصبح الصوت الأعلى، يفرط من حيث لا يدري في تماسكه الثقافي وهويته الوطنية.
لكن في المقابل، يظل الأمل قائمًا. فالمسؤولية مشتركة: تبدأ من الأسرة التي تغرس في الطفل قيم الانتماء والاعتزاز بالجذور، وتمتد إلى المدرسة التي تمنحه أدوات التفكير النقدي، ثم تصل إلى الإعلام والثقافة اللذين يقع على عاتقهما تقديم قدوات حقيقية: علماء، مفكرون، مبدعون، وأبطال حقيقيون صنعوا فارقًا في تاريخ الوطن.
إن معركة الحفاظ على الهوية ليست ترفًا ولا ترديدًا لشعارات، بل هي معركة وجودية تحدد مصير المجتمع كله. فإما أن نصنع جيلًا سويًّا يقود الأمة إلى التقدم والرقي، وإما أن نتركه ينجرف وراء السراب حتى الهاوية. والاختيار يبدأ اليوم، من كل بيت، ومن كل قلم، ومن كل منبر.
وعندما نبدأ بأنفسنا نشكّل فارقًا، نعيد للهوية قوتها، وللانتماء معناه، ونرسم للأجيال طريقًا يقودهم إلى القمة لا إلى الهاوية.”