آراء ومقالات

رؤية اقتصادية  مصر في أغسطس… اقتصاد يتنفس الصعود

 

بقلم/ أيتن المرجوشي

من الجنيه إلى التحويلات… إشارات صعود

لم يكن أغسطس شهرًا عاديًا بالنسبة للاقتصاد المصري، بل مثل محطة جديدة على طريق استعادة الثقة. فبعد شهور من الترقب، قرر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، في أول خفض منذ مايو، لتصل فائدة الإيداع إلى 22% والإقراض إلى 23%. القرار لم يأتِ من فراغ، بل من قناعة بأن التضخم يسير في اتجاه هبوطي واضح، بعدما تراجع إلى 13.9% في يوليو، وهو أقل من نصف ذروته في 2023.

 

قوة الجنيه وتدفقات تاريخية

 

الجنيه المصري لعب دور البطل هذا الصيف. فاستقراره عزز الثقة، وساهم في كبح التضخم المستورد. البنوك أعادت فتح سقف السحب بالدولار في السفر، والاحتياطيات ارتفعت إلى 49 مليار دولار مع تدفقات فاقت 85 مليار دولار في تسعة أشهر فقط. كل ذلك منح الأسواق رسالة واضحة: العملة المصرية استعادت عافيتها.

 

نمو واقتصاد حقيقي

 

رغم الضغوط العالمية، سجل الاقتصاد نموًا قويًا بلغ 4.5% في نهاية العام المالى ٢٠٢٤-٢٠٢٥، مقارنة ب2.4% بنهاية العام المالي ٢٠٢٣-٢٠٢٤ مدفوعًا بانتعاش السياحة والصناعة غير النفطية. التوقعات تشير إلى استمرار هذا الزخم في العام المالي 2025/2026. وعلى الجانب المالي، حققت الحكومة فائضًا أوليًا بلغ 3.6% من الناتج المحلي، بفضل قفزة في الإيرادات الضريبية.

 

تحويلات… كلمة السر

 

لكن المفاجأة الكبرى جاءت من المصريين بالخارج. تحويلاتهم سجلت رقمًا قياسيًا بلغ 36.5 مليار دولار في عام واحد، بزيادة 66% على أساس سنوي. يونيو وحده سجل 3.6 مليار دولار، الأعلى على الإطلاق. هذه القفزة أعادت رسم خريطة التدفقات، لتصبح التحويلات معادلاً استراتيجيًا للاستقرار.

 

الصورة الأوسع

 

مصر اليوم تدخل النصف الثاني من 2025 بصورة مختلفة: تضخم تحت السيطرة، عملة أكثر صلابة، فوائض مالية واضحة، وتحويلات تدعم الاستقرار الخارجي. التحديات لم تختفِ، من اضطرابات التجارة إلى ضغوط الجغرافيا السياسية، لكنها تواجه الآن اقتصادًا أكثر قدرة على الصمود.

 

الرسالة الأهم: أغسطس أثبت أن الاقتصاد المصري لم يعد يلهث وراء الاستقرار، بل بدأ يصنعه.

 

لكن تبقى المعادلة الأهم: كيف نحول هذه الصحوة إلى مسار دائم؟ الأموال المتدفقة عبر التحويلات يجب أن تتحول من مجرد مصدر للعملة الصعبة إلى وقود لاقتصاد أكثر استدامة. ومن هنا، تصبح الأولويات واضحة: الإنتاج لتوسيع قاعدة الصناعات الوطنية، والتشغيل لخلق فرص عمل حقيقية، والتصدير لتعزيز القدرة التنافسية في الخارج. عندها فقط، لا تظل التحويلات كلمة سر للاستقرار، بل تتحول إلى قاطرة تنمية تدفع الاقتصاد نحو مرحلة أكثر صلابة واستدامة

 

دكتورة أيتن المرجوشى

دكتوراه فى الإدارة العامة

زر الذهاب إلى الأعلى