آراء ومقالات

مصر التي نريدها.. مدينة تتزين بالفن والجمال

 

 

جداريات طلاب الفنون فى شوارع القاهرة تفتح نافذة أمل لعيون المصريين كي تتعود رؤية الجمال يوميًا

 

بقلم: ثروت محمد

 

أتابع منذ أيام عددًا من طلاب وطالبات كليات الفنون الجميلة وهم يرسمون جداريات تشكيلية ضخمة على سور هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بحي السفارات بمدينة نصر. وبسبب حرارة أغسطس الشديدة نهاراً يبدأون العمل قبل منتصف الليل، مستعينين بكشافات كهربائية وأجهزة «بروجيكتور» لعرض التصميمات المعدة مسبقًا على الجدران.

 

تتناول بعض الجداريات رحلة الطيور المهاجرة عبر مصر وما تواجهه من مخاطر بيئية، بينما تركز جداريات أخرى على موضوعات الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة. هذه الأعمال تأتي ضمن مسابقة أطلقتها الهيئة التابعة لوزارة الكهرباء لتعكس الاهتمام بقضايا التنوع البيولوجي والوعي البيئي.

 

هذه الجداريات تمنحنا الأمل بوجود اهتمام من مؤسسات الدولة بالفن وتعطينا الأمل أن يحذو القطاع الخاص عبر شركاته بتبنى بث قيم الجمال والفن فى المجتمع.

ابدا جاحد من ينكر الجهود الكبيرة من الحكومة فى إعادة رسم خريطة القاهرة الكبرى الثقافية والتراثية والفنية وما يحدث فى ضاحية مصر القديمة «الفسطاط» و«القلعة» وتحويل هذه المناطق العشوائية إلى متحف فنى مفتوح يضم قيم الفن الإسلامى والمسيحى واليهودى. إلا دليل على تبنى الحكومة الاهتمام بالجمال والفن ونشر قيم التذوق الفنى والحفاظ على تراث الشعب المصرى. 

وبقدر هذه الجهود الكبيرة من الدولة لكن فى الوقت نفسه توجد مشاهد من القبح العمراني التي تطغى على بعض مدننا فى الصعيد والدلتا.

 فالطوب الأحمر العارى الذي يغطي واجهات المباني ــ نتيجة البناء العشوائي ــ يحتاج إلى جهود كبيرة لإزالته. 

لذا من الضروري أن تتضمن اشتراطات البناء فى قوانين الإسكان إلزامًا الملاك بتشطيبات جمالية تليق بالمنازل والشركات والمصانع بمدننا.

 

ولكي نخطو إلى الأمام، يجب أن نتذكر مبادرات إبداعية كان لها أثر باقٍ، مثل مشروع مكتبة الأسرة الذي رعته السيدة سوزان مبارك، وجعل الثقافة حقًا لكل بيت. 

واليوم نتمنى أن تتبنى حرم الرئيس السيدة انتصار السيسي ضمن أولوياتها دعم نشر ثقافة الفن التشكيلي، بتكليف المؤسسات المختلفة بإنجاز جداريات فى الميادين والمدارس، حتى تتزين المدن المصرية وتألف عيون المصريين اعتياد زؤية الجمال والإبداع الفنى يوميًا.

 

كما أقترح حملة لاقناع الفطاع الخاص بتبنى وتزويد مدارس وزارة التربية والتعليم بمدرسين متخصصين فى الفنون وتوفير الأدوات اللازمة للرسم والنحت والتشكيل للطلاب، حتى تتحول المدرسة إلى حاضنة للإبداع ومعهد للفن لتخريج أجيال قادمة قادرة على بث التذوق الفنى للمواطنين و تغيير وجه المدن المصرية بلوحات وجداريات.

 

كل هذه الطموحات والامنيات يجب إن لا تنسينا صعوبات تحول أمام انتشار الفن التشكيلي بين المواطنين ، ومن هذه الصعوبات تمسك أهل الفن التشكيلى من النقاد والمبدعين بتبنى لغة تخاطب جمهور الفن التشكيلى بلغة متعالية معقدة متقعرة.

 فبدلًا من تقريب الفن من الناس، نجد خطابًا متفلسفًا يبعدهم عنه. وهنا يبرز السؤال: هل نجحت هذه اللغة فى زيادة جمهور المعارض؟ وهل ساعدت الناس على قراءة الجداريات واللوحات وفهم رموزها؟

 

أتذكر زيارتى لمركز جدة للفنون التشكيلية عام 1989 بصحبة الفنان هشام قنديل. يومها أدركت صعوبة فهم اللوحات دون مساعدة. ومنذ ذلك الحين سعيت فى الصحف التي عملت بها لتخصيص صفحات للفن التشكيلي تُكتب بلغة مبسطة. وقد تحقق ذلك فى «الاقتصادية» السعودية عام 2003، ثم فى «المصري اليوم» عبر جهود الفنان فادي فرانسيس والزميل ماهر حسن.

بث قيم الجمال ومشاهد الطبيعة الجميلة فى بلادنا وحب الفن التشكيلى وغيره من الفنون مقاصد عظيمة سعى إليها وتحدث عنها كبار الأدباء ورواد الثقافة فى مصر ويحضرنى هنا حديث الأديب يحيى حقي فى مقدمة كتابه كناسة الدكان عن الفن يقول:

 

( «لا ولوج إلى ساحة السعادة إلا من أحد أبواب ثلاثة: الإيمان، والفن، والحب… وسيبقى الفن وسطًا جامعًا للطرفين».

وإذا كان الحب هو الأكثر التصاقا بالصلصال والحمأ المسنون، وبالزمان والمكان والصدف، فإنه شرط إرتفاع الإنسان عن مرتبة الحيوان ، وكان الإيمان أكثرها طموحا لأنه يطلب الله لا الناس، والخلود فى الآخرة لا العبور فى الدنيا ، فسيبقى الفن وسطا جامعا فى الآخرة لا العبور فى الدنيا ، يا لها من منزلة

 

استرسلت فى الحديث عن أهمية الفن لنا ولم يبقى لى إلا أن أوجز فى تعريف الفن التشكيلي وأهم المدارس التى تعبر عنه .

فهو مزج الواقع بالخيال. وله مدارس متعددة، منها «السريالية» التي تربط الواقع بالخيال فى صور فانتازية، و«التجريدية» التي تختزل الشكل وتعتمد على الرمزية، و«التعبيرية» التي تستخدم الكتل اللونية للتأثير فى الروح قبل العين، والواقعية التي تنقل الواقع كما تراه العين وتحوله إلى جمال بصري.

،،ويبقى الحديث عن الفن ما بقيت الحياة،وكما تحدث عنه الشعراء وكما أنشد الشاعر صالح جودت وتغنى بكلماته الراحل المطرب محمد عبدالوهاب:

 

 الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها،

نجوم تغير النجوم من حسن منظرها،

ياللي بدعتوا الفنون وفى إيدكوا أسرارها،

دنيا الفنون دي خميلة وإنتوا أزهارها،

والفن لحن القلوب يلعب بأوتارها،

والفن دنيا جميلة وإنتوا أنوارها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى