آراء ومقالات

أشتات في اللغة والأدب 16

 

د. يسري عبدالعال

نواصل -عزيزي القارئ – ذكر بعض المتفرقات الأدبية واللغوية، منها ما يتعلق بأصول دلالات بعض العبارات، أو تصويبات لغوية لأخطاء تشيع على الألسنة.

مقالات ذات صلة

المِحَك: تستخدم هذه الكلمة في لغتنا المعاصرة ويقصد بها الاختبار والتجريب– وهذه الدلالة لها أصل لغوي، جاء في كتاب (إحياء علوم الدين) للغزالى 2/ 82: “وبالجملة التجارة محَكُّ الرِّجَالِ وَبِهَا يُمْتَحَنُ دِينُ الرَّجُلِ وَوَرَعُهُ”.

وهناك دلالة أخرى حديثة لكلمة المحك، ويقصد بها الخطر، ودلالة الخطر أراها متطورة عن دلالة الاختبار والتجريب، وهي دلالة لم تسجل في المعاجم الحديثة- في حدود ما أعلم- إذ إن الاختبار والتجريب قد يترتب عليه إما النجاح أو الفشل، أي أن هناك نوعا من الخطر، ولعل هذا ما نلحظه في عنوان إحدى الجرائد، حيث جاء العنوان الرئيس: سوريا على المحك.

 فهذا العنوان يفيد أنها في حالة اختبار؛ إما النجاح أو الفشل، وقد يفيد أنها في خطر، وهذا المعنى يستفاد كنتيجة للفشل في الاختبار.

وبالنظر في معجم اللغة العربية المعاصرة في مادة (حكك) ننقل منه باختصار وتصرف: “مِحَكّ: اسم آلة من حكَّ: ما يُحَكّ به من حجر أو غيره لاختبار المعادن وانتقادها… يقال: الصُّعوبةُ مِحَكُّ الصَّداقة، والمصائب مِحَكّ الرِّجال… ومحكُّ البحر: ضفَّته، وساحله”. أي حافته، وهذا المثال الأخير أيضا يعطي دلالة الخطر؛ لأن من يقف على ضفة البحر قد يكون في خطر.

 

 وهناك معني آخر جاء في معجم اللغة المعاصرة للمحك، وهو كونه مقياسا للحُكم والتَّقييم في الدرس النقدي، “يقال عرَض القصيدةَ على المحكّ النَّقديّ: أي المعيار النَّقديّ”.  

  ومن هذه الدلالة جاء عنوان كتاب للأديب اللبناني مارون عبود (على المحك: نظرات وآراء في الشعر والشعراء)، وهو كتابٌ في النّقد الأدبي.

شجَب: يكثر في لغة الإعلام والصحافة استخدام الفعل “شجب” ويقصد منه استنكر وأدان ونقد بحدّة، يقال: “شجَب العربُ سياسةَ إسرائيل العدوانيّة. أي يستنكرون وينتقدون سياستها، و”لا يملك العرب إلا سياسة الشَّجب والإدانة” أى الاستهجان والاستنكار والرفض.

لكن هل تعلم -عزيزي القارئ- أن هذه دلالة حديثة لم ترد في المعاجم القديمة؛ إذ الوارد فيها –كما ننقله عن تاج العروس للزبيدي- “وشَجَبَه يَشْجُبُه شَجْبًا أَي أَهْلَكَه …وشَجَبَه أَيْضًا: حَزَنَه. وشَجَبَه: شَغَلَه. وأَشْجَبَه: شَغَلَه. وأَشْجَبَه الأَمْرُ فشَجِب لَهُ شَجَبًا: حَزِنَ. وَقد أَشْجَبَك الأَمْرُ فشَجِبْتَ شَجَبًا. وشَجَبَه: جَذَبَه”.

وجاء في (معجم الصواب اللغوي): إن “من معاني الشجب في اللغة “الإهلاك”، وفي المجاز متسع لقبول الشجب في دلالته المعاصرة؛ لأن فيه رفض الشيء واستنكاره، ويلزم من الاستنكار الشديد للشيء الرغبة في زواله. ومن هنا أجاز مجمع اللغة المصري الكلمة في هذه الدلالة المعاصرة”.

وإن كنت أرى دلالة الاستنكار والرفض جاءت من “الشَّاجِبُ مِنَ الغِرْبَان: الشَّدِيدُ النَّعِيقِ- أي الصياح- الَّذِي يَتَفَجَّعُ من غِرْبَان البَيْنِ، يُقَال: شَجَبَ الغُرَابُ يَشجُبُ شَجِيبًا: نَعَق بالبَيْن. وغُرَابٌ شَاجِبٌ يَشْجُبُ.

من الأخطاء الشائعة:

1- من الخطأ تكرار (كلما) في الجملة الواحدة؛ لأن (كلما) أداة شرط تقتضي جملتين؛ جملة فعل الشرط وجملة جواب الشرط ولها الصدارة في الجملة، وبعبارة أخرى أن (كلما) تفيد استمرار الشرط مع استمرار الجواب؛ لذا من الخطأ قولهم: كُلَّما ارتقت الأمة كُلَّما ازدهرت فنونها.

      والصواب: كُلَّما ارتقت الأمة ازدهرت فنونها. 

2- من الخطأ استخدام (طالما) في الجملة بمعنى مادام؛ لأن (طالما) كلمة مركبة من الفعل (طال) و(ما) الكافّة عن الفاعل، ومعناها: كثيرًا ما، يقال: “طالما حذَّرتُك”: أي كثيرًا ما حذّرتُك.

 لذا من الخطأ قولهم: لن يغلب العرب طالما كانوا متحدين؛ لاستعمالها بمعنى مادام، والصواب استخدام الفعل مادام هنا فيقال: 

 لن يغلب العرب ماداموا متحدين.

  وللحديث بقية إن شاء الله.

زر الذهاب إلى الأعلى