

بقلم: شيماء عادل


واجهة بسيطة لمقهى، جمعت بين الخشب والزجاج، لكنها إحتوت على قصص وشخصيات لا حصر لها، منها ما خلده التاريخ، ومنها ما ضاعت صفحاته في غيابات النسيان.
• نظرة خاطفة
في مقهى ريش بأشهر ميادين القاهرة تتكون خلية سرية لمقاومة الإحتلال الإنجليزي، يكون من بين أعضائِها أبطال قصتنا: “الطبيب أحمد عبد الحي كيرة ودولت فهمي وعبد القادر الجن”، والذين بدأوا طفولتهم شاهدين على كلِ أشكال الظلم التي تعرضت لها الحياة في مصر، منذ بداية الإحتلال ووصولًا إلى ثورة ١٩١٩ والتى تُعتبر الحدث الرئيسي للرواية والفيلم معاً.
• من دفاتر التاريخ
إقتباسًا مِن قصصٍ حقيقية وشخصياتٍ واقعية قاومت الإحتلال وشاركت في حرية هذه الأرض من المستعمرين، يستوحي “أحمد مراد” نص روايته “1919” التى صدرت عام ٢٠١٤ عن دار الشروق، والتي تم تحويلها إلى فيلم بعنوان “كيرة والجن” عام ٢٠٢٢، كان فيه أيضًا صاحب السيناريو، ليَخرج بعملٍ فنيٍّ ضخم، مختلف عما عهدناه منه، ليحكي قصةِ أبطالٍ منسيين، وشخصياتٍ ربما لن تجد مَن يذكُرها، ولكن كان لها أثر الفراشة في إعصار التغيير والحرية.
• بين الفيلم والرواية
سواء كنت مِمّن أعجبتهم الرواية أو من محبي الفيلم، فلن نختلف إنه وبالرغم من كلِّ التحفظات؛ فإننا أمام تحفةً فنية، تحكى عن زمنٍ تغلى فيه الأحداث والأشخاص، الذين قبل أن يقاوموا مُحتل الأرض؛ قاوموا يأسَهم الذي إحتلَّ روحَهم، فكانت الحرية الداخلية هي المحرك لشعلة المقاومة الخارجية.
إختلفت الرواية عن الفيلم في جوانب عديدة، والتى أرى أنها كانت في صالح الرواية -التى كانت أشمل وأكثر تفصيلا لجوانب الشخصيات ،وأكثر توصيفا للروابط بينهم.
ميَّز الفيلم عنصر الإبهار الذي أبدع فيه التعاون بين: المخرج مروان حامد ،والموسيقي التصويرية لهشام نزيه والديكورات وإختيار الملابس، والذى جعل من تخيل الأحداث مهمة سهلة.
وميَّزت الرواية التفاصيل التي تجعلك ترتبط عاطفيا بالأبطال وتفهم دوافعهم ونقائصهم البشرية بشكل أوضح.
كما إختلفوا في زمن إنتهاء الأحداث، حيث انتهت الرواية بوفاة سعد زغلول عام ١٩٢٧، بينما إنتهى الفيلم بنهاية الإحتلال والجلاء عام ١٩٥٦.
أيضا تجد بعض الشخصيات التى وُجدت في الرواية ولم يذكرها الفيلم، وذلك لإعتبارات تجارية وللتركيز علي القصة الرئيسية وأبطال الفيلم.
كما إحتلت أحداث الفيلم مشاهد الحركة والقتال بشكل كبير مما جعل مدة الفيلم طويلة نسبيا.
• بين الجمهور والنقاد
بالرغم من سهولة وبساطة اللغة والحوار في الرواية، إلا إنها إحتوت على تعبيرات نابية أثارت حفيظة الكثيرين من القراء، والتي لا يُرى لوجودها داعٍ في صفحات الكتاب، وكان من الممكن التعبير عن مستوى المناطق الشعبية وقتها بشكلٍ أفضل ولكن كان هذا في النهاية هو أسلوب الكاتب.
تمتع الفيلم أيضًا بشعبية واسعة بين الجمهور والنقاد، وحصد جوائز عديدة مثل: أفضل إخراج،وأفضل مؤثرات بصرية، وأفضل تصميم للملابس، وأفضل ديكور، وأفضل موسيقى تصويرية، بخلاف جوائز الأبطال عن أدوارهم، مما يُعطيك لمحة عن مستوى إنتاج الفيلم الضخم.
• في النهاية فإنَّ الإحتلال الحقيقي هو اليأس، الذي يُغلِفنا ويعتصِّر قلوبَنا مِن واقعٍ مؤلمٍ نتقبله ببطءٍ ونتعايش معهُ بصعوبة، ومِن بقايا أمل يحاول بيأسٍ أن يحيا في صدور إعتلاها الحزن والألم ..
فإذا تعلمت مرةً واحدة أن تُقاوم يأسك، وتتذوق طعم الحرية سترفض بكل الأشكال أن تُكبل روحك مرة أخرى.
وتذكر أنَّ اليأس مُعدى، وكذلك الأمل.