آراء ومقالات

من بلاط صاحبة الجلالة

 

ليلة طرد 25 نائبا هربوا من التجنيد

بقلم: محمد عبد الغفار

مقالات ذات صلة

دور الصحافة كشف الحقائق . كان نواب الحزب الوطني الحاكم يطالبون رئيس الدولة بتحجيم الصحافة , وكان رد الرئيس واضحا وعلنيا ومحددا ” اللي علي راسه بطحه يخاف من الصحافة ” وكان للصحافة دورها .

فوجئت بأحد الوزراء السابقين يتصل بي تليفونيا بالمنزل ويخبرني أنه سيرسل لي أوراقا هامة تثبت تزوير الانتخابات البرلمانية في دائرته الانتخابية وأنه تم اسقاطه عمدا ليفوز شخصا محددا كان من ” صبيانه ” في دائرته الانتخابية وأن هذا الشخص هارب من التجنيد في حرب أكتوبر العظيمة وهذا مخالف للدستور .
قرأت الاوراق جيدا وقلت لنفسي إن النشر سيدخلني في صراعات سياسية وقضايا في المحاكم مع الحزب الوطني الحاكم في الوقت نفسه سيضعني في موقف مع وزير سابق محترم يثق بي وبأمانتي المهنية وانتهي الرأي الذي وصلت إليه , إلى نشر الموضوع في عمودي الاسبوعي في أخبار اليوم خاصه أن العمود الصحفي يحمل وجهة نظر كاتبه .
نشرت القصة كاملة بما فيها قصة هروب النائب من التجنيد في حرب أكتوبر . كانت الجريدة التي توزع أكثر من مليون نسخة في العدد الواحد بالرغم من ظهور الانترنت والمنافسة مع الصحف الأخرى قومية وحزبية كانت أخبار اليوم بسبب المحتوي الجيد الذي تقدمه للقاريء وعبقرية أسطوات الصحافة في الجريدة بقيادة الصحفي الكبير إبراهيم سعده وراء هذا الارتفاع في التوزيع بالإضافة إلي حرية الصحافة المتاحة .
كانت الطبعة الأولي تصدر الثامنة مساء الجمعة ويستمر توالي الطبعات حتي فجر السبت . في الساعة الثانية عشر ليلا فوجئت باتصال علي المحمول من الدكتور فتحي سرور يسألني عما كتبته وقرأه في الجريدة , فأجبته أن الموضوع المذكور في العمود جميع مستنداته في حوزتي ,فقال لي أن الرئيس حسني مبارك قرأ المقال في الطبعة الأولي من أخبار اليوم وطلب مني إحالة هذا الموضوع إلي المحكمة الدستورية العليا للبت فيه فورا فلا يعقل وجود نواب يمثلون مصر بينهم هاربون من التجنيد في حرب التحرير . وسألني هل هناك نواب آخرين ؟ .
قلت له لا , فقال لي المطلوب منك الذهاب إلي هيئة القضاء العسكري للبحث عن أسماء أخري قد تكون هاربة , قلت له لا أستطيع , القضاء العسكري يتبع وزارة الدفاع وأنا متخصص في البرلمان الشعب والشورى والأحزاب السياسية , قال لي عليك أن تأتي غدا الساعة 11 ظهرا إلي مكتبي بالمجلس .
طبعا كنت سعيدا جدا أن رئيس الجمهورية قرأ مقالي المتواضع واهتم بما جاء فيه , قطعا هو نصر صحفي . كنت في الساعة الحادية عشر بمكتبه في مجلس الشعب , قال لي في انتظارك الآن اللواء عبد الغفار هلال رئيس القضاء العسكري في الدور الثاني بالمجلس اذهب إليه . بالفعل ذهبت إليه , كان رجلا قانونيا فاضلا تبدو عليه سمات الوقار والاحترام استقبلني بترحاب وهنأني علي صحة المعلومات , وقال بلهجة رجل القضاء العسكري الوقور ها تتعب معانا شوية وبعد عدة جلسات أصبحنا أصدقاء وكان الاكتشاف المهم أنه يوجد 24 عضوا بالبرلمان هاربين من التجنيد في حرب أكتوبر سيلحقون بالنائب الهارب من التجنيد في المحكمة الدستورية العليا طبقا لتعليمات الرئيس . طلب اللواء عبد الغفار مني عدم نشر أسمائهم طالما أن الموضوع أصبح أمام المحكمة . كانت الأسماء قيادات بارزة في الحزب الوطني الحاكم بل ومقربة من قيادات الحزب .
بعد حوالي شهر أصدرت المحكمة قرارها التاريخي بإسقاط عضويتهم من البرلمان لفقدهم شرطا من شروط العضوية لتهربهم من أداء الخدمة العسكرية . أصبح القرار ساريا حتي كتابة هذه السطور , وكان السبب مقالي الأسبوعي بأخبار اليوم . بعد الحكم بدأت الحرب الإعلامية بيني وبين قيادات الحزب الوطني المدفعين عن نواب التجنيد . قرروا عمل مناظرة تليفزيونية بيني وبين أحد قيادات الحزب الوطني البارزة في القانون الدستوري وهو الدكتور انور رسلان عميد حقوق القاهرة وعضو مجلس الشوري وأستاذ القانون الدستوري . كان هؤلاء النواب الهاربين من التجنيد 25 نائبا تجمعوا في البهو الفرعوني بمبني البرلمان وانتظروني , كان في انتظاري علقة ساخنة يريدون أخذ حقهم بأيديهم لولا أن أنقذني عمال البهو الفرعوني الذين قاموا بحمايتي وتهريبي من البهو الفرعوني . قصصت ما حدث للدكتور فتحي سرور وللواء عبد الغفار هلال , ابتسم الدكتور فتحي سرور قائلا : خليك في المناظرة , اليوم المحكمة الدستورية قالت رأيها لابد من إسقاط عضويتهم , كنت قد عكفت علي دراسة القانون ومواد الدستور والقانون العسكري الخاص بالتجنيد وترجمة للقانون الفرنسي الخاص بالتجنيد والتهرب منه . كانت المناظرة مساءا علي الهواء لمدة ساعة , فوجيء الدكتور أنور رسلان أنني اقرأ علي الهواء ترجمة عقوبة التهرب من التجنيد في فرنسا ومصر وقلت علي الهواء مباشره ماذا يحدث لوكان هؤلاء فرنسيين وتهربوا من الخدمة العسكرية في الوقت الذي احتلت ألمانيا فيه فرنسا ؟ هل سيصلحون أن يكونوا ووزراء ونوابا مستحيل طبعا , والدستور المصري واضح وقوانين التجنيد المصري واضحة والمحكمة الدستورية العليا قراراها واضح فلا داعي للالتفاف علي الدستور والقانون وأحكام أعلي سلطة قضائية . بعد مغادرتي مدينة الإنتاج الإعلامي اتصل بي الدكتور فتحي سرور مهنئا علي رباطة الجأش وتسلسل العرض قائلا : أنت موهوب حتي في الدفاع عن رأيك .
اجتمع مجلس الشعب ليلا ليوافق علي إسقاط العضوية عن 25 نائبا من الحزب الوطني دفعة واحدة وإعلان خلو دوائرهم الانتخابية ليتم انتخاب آخرين بدلا منهم طبقا للدستور .
في اليوم التالي التقيت أمام الاسانسير صدفة بالأستاذ إبراهيم سعده رئيس التحرير , بادرني قائلا إيه حكايتك كل يوم في التلفزيون قلت له : يا ريس دول 25نائبا تم فصلهم في ليلة , رد قائلا لو فصلت 25 نائبا آخرين ستأخذ مكافأة كبيرة , قلت له ضاحكا هو احنا في المدبح يا ريس !!
فوجئت بمدير مكتبه يتصل بي ليلا يتصل ويطلب أن احضر لمقابلة الأستاذ إبراهيم سعده الساعة 9صباحا . ذهبت لمقابلته في الميعاد المحدد وإذا به يقرر لي مكافأة مالية قدرها 1500جنيه , ووقعت علي إيصال استلام المبلغ وقلت له ضاحكا يعني الراس وقفت ب50 جنيه يا ريس .
كانت أيام .

زر الذهاب إلى الأعلى