

بقلم: شيماء عادل
من فضلِ الله على خلقه أن يهديهم إلى سواء السبيل، أن يُلهِمهُم الصواب، ويرزقَهُم إتباع الحقّ، أن يستخدمهم لخدمةِ دينه، ويجعل سيرتهُم العطِّرة أطولَ من أعمارهم ، بل ومن أعمار الكون نفسه.
• الخليفة العادل
عُمر بن عبد العزيز – الخليفة الأموى- الذي إستطاع تغيير حال الأمة في ثلاثون شهرًا فقط، حتى عدَّه الجميع خامس الخلفاء الراشدين.
عمر بن عبد العزيز هو ثامن الخلفاء الأمويين، ولد عام 61 هـ، ونشأ في بيت أخواله آل عمر بن الخطاب، وكبر في صحبةِ أخلاقِ الخلفاء وصحابة رسول الله ، تولى إمارة المدينة المنورة ثم الطائف ثم إنتقل إلى دمشق، وبعد وفاة سليمان بن عبد الملك تولى خلافة الدولة الأموية عام 99 هـ .
تميز عهدَه بالعدل ،وإختفاء الظلم، وإعادة العمل بالشورى، والأهتمام بالعلم ، حيث كان نهِمًا لتحصيل العلم منذُ صغره، محبًا لمجالسةِ العلماء.
حفظ القرآن الكريم في سنٍ صغيرٍ، حيث تربي علي أيدي ثمانيةٍ من الصحابةِ والكثير جدًا من التابعين، فجعله ذلك صاحب رأى ومشورة عند عمه عبد الملك بن مروان ، حتى إنه عهد إليه بزواجه من إبنته.
خلال فترة ولايته قام بعزل جميع الولاة الظالمين ، كما أخذ بالشورى في أحكامه ، ورد المظالم لأصحابها ، وإهتم بنشر العلم وتدوين الحديث الشريف وحفظه من الضياع، حتى كان عصره عصر إزدهار وعدل، لدرجة أنهم إعتبروه من الخلفاء الراشدين ، حتى مات مسموما عام 101 هـ – وقيل مات بالسل – بعد ولاية إستمرت حوالى 30 شهراً ، دفن بعدها في إدلب بسوريا.
• السيرة العطرة
تناولت سيرته العديد من الكتبِ لمؤلفين بارزين، جمعوا فيها كل ما جاء في ذكره عبر كتب التاريخ، والمخطوطات التى أرخّت لفترة الحكم الأموى، ولعهدِ الصحابة والخلفاء.. كما تم ذكره في كتب مذاهب الفقه الأربعة ، مثل: الجواهر المضيئة، وسير أعلام النبلاء، حيث أشاد به الجميع، حتى أنَّ الأمام أحمد بن حنبل قال عنه: “ يُروى في الحديث :أن اللهَ يبعثُ على رأسِ كلَ مائةِ عامٍ من يصححُ لهذهِ الأمةِ أمرَ دينها، فنظرنا في المائةِ الأولى فإذا هوَ عمرُ بن عبدِ العزيز”.
تمَّ الأخذ بكل هذا في الأعتبار عندَ إنتاج مسلسل ضخم بعنوان (عمر بن عبد العزيز : خامس الخلفاء الراشدين)، والذي تمَّ إذاعته عام 1995 م ، من بطولة: نور الشريف، وعبد الرحمن أبو زهرة، ومن إخراج أحمد توفيق.
وعلى الرغم من ضخامة إنتاج المسلسل وتفوقه في كثير من الجوانب ، وتضمين الحوار لكثير من الحوارات الحقيقية التى جاءت في المراجع التاريخية ، لكنه تضمن أيضا الكثير مما أخذ عليه.
• تأريخ الدراما
كما هو الحال في أغلب الأعمال التى تناولت التاريخ بشكل عام، فبالرغم من عرضها لقصص واقعية ، إلا إنها لم تخلو من إعتبارات درامية بحتة، أثرت بشكل أو بآخر علي حقيقة الحدث المطروح.
وعلى الرغم من قول البعض أن الأعمال التاريخية تحتوى علي بعض الشطحات، التى توصف بإنها بعيدة تماما عن حقيقة الشخصية ،وإن هذا نوع من أنواع إستحضار الماضي وتمنى تكراره؛ إلا أن هذا ليس مقبولا في تناول سيرة التاريخ الدينى .. فانت هنا لا تتحدث عن عنترة بن شداد أو شجرة الدر، بل أنت تتحدث عن وقائع دينية لها محددات ثابتة.
تجد أيضا إستياء كبير من منتجي وممثلى هذا النوع من الدراما، علي الرقابة التى تفرضها هيئة الأزهر الشريف علي النص المكتوب – رغم أنه من صميم تخصصها هو الحفاظ علي الهوية الدينية الحقيقة – وكأنها لو تنازلت عن معاييرها، فلسوف يلتزم بها القائمون على صناعة الدراما!، وكأن الهدف هو صناعة دراما للتاريخ، وليس توثيق التاريخ علي هيئة دراما.
• أخطاء تاريخية
من المآخذ التى سقط فيها صناع المسلسل، هو عدم إنصياع الحجاج بن يوسف إلى الخليفة – وهذا عكس الواقع تماما- ، ولعل هذا بسبب أن المخرج أراد إضافة بعض الصراعات للأحداث .
أيضا في واقعة فك حصار القسطنطينية، والذي ذُكر في كل المراجع إنه تم بسبب رأفته علي جيش المسلمين، ولكنه في المسلسل كان بسبب شفقته علي أهل البلد المُحاصر.
أيضا من غير المنطقي أن يُنسب كل فضائل هذه الفترة لعمر بن عبد العزيز، حيث أسند له المؤلف كل صنائع الخليفة الخيرة -مما لا يتفق مع المصادر- ، حيث أسند له المؤلف أمورا بالرغم من أن عمره كان فقط عشر سنوات.
أيضا تم ذكر مدينة بغداد في حوار المسلسل، علي الرغم من أن بغداد لم تكن موجودة قي عهد عمر بن عبد العزيز، ولكنها بُنيت بعد وفاته بأكثر من خمسين سنة.
أيضا فيما يخص إتساع الدولة الأموية، والتى قيل في المسلسل أنها تمتد من الصين إلى المحيط الأطلسي، فهذا أيضا خطأ.. حيث إمتدت في زمن عبد الملك بن مروان من أفغانستان إلى الجزائر، ولم يتوسع المسلمون إلى الهند والصين ألا بعد ذلك بفترة.
أيضا تم تجاهل ذكر وتحديد تاريخ الأحداث في المسلسل إجمالا.
• في النهاية -وكما قيل سلفاً- إن الدراما ليست بالمرجع التاريخى، ولكنها عمل يعتمد أساسا على جذب الأنتباه، لذلك ليس من المقبول أو المنطقي أن تأخذها على محمل الجد وأنت تبحث في سيرة شخصية تاريخية – كبُرت أو صغُرت سيرتها- .. لكل علم مراجعه وكتبه، لذلك تحرى الأضمن وأنت في طريقك للمعرفة.