

د. يسري عبدالعال
نواصل -عزيزي القارئ – ذكر بعض المتفرقات الأدبية واللغوية، منها ما يتعلق بأصول دلالات بعض العبارات، أو تصويبات لغوية لأخطاء تشيع على الألسنة.
• على الخبير سقطت: مثل من أمثال العرب القديمة، وهو يفيد أنك على العارف بالأمور الخبير بها عثرت. ومثله قولهم: “على العارف وقعت”، “وعلى المُثبت سقطت”، والمعنى واحد. وهي من الأقوال الدالة على الخبرة والمعرفة بالأمور، ويقال: إن أول من قال هذا المثل مالك بن جبير العامري، وكان من حكماء العرب في الجاهلية، وقد تُمثِّل به في كتب السنة؛ فجاء في سنن أبي داود:” قلت لأبي سعيد الخدري: هل سمعت من رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم- شيئًا في الإزار؟ قال نعم -على الخبير سقطت- أي: على العارف بهذا الأمر الخبير به وقعت”. وقال الإمام النووي إن فيه دليلا على جواز ذكر الإنسان بعض ممادحه للحاجة، وأن في ذلك ترغيبًا للسامع في الاعتناء بالخبر الوارد. كما تَمَثَّل به الفرزدق للحسين بن عليّ رضي الله عنهما حين أقبل يريد العراق فلقيه وهو يريد الحجاز، فقال له الحسين رضي الله عنه: ما وراءك؟ قال: على الخبير سقطت، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والأمر ينزل من السماء، فقال الحسين رضي الله عنه: صدقتني. ويروى أن هارون الرشيد سأل الأصمعيّ عن شيء، فقال له الأصمعي: على الخبير سقطتَ، فقال له الفضلُ بن الربيع: أسقط الله أسنانَك! أبمثل هذا تُخاطب أميرَ المؤمنين؟ فقال الأصمعيّ: هذه لغةُ العرب. فنهى هارون الفضل، وقال: صَدَقَ. ولعل شيوع مقولة “على الخبير سقطت” عن العبارتين الأخريين مردها مجيء مثلها في القرآن في موضعين، الأول- قوله تعالى: “وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ”، والثاني- قوله تعالى: “فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا”. والخبير هو العالم، والخُبْرُ والخَبَرُ: العِلْم بالشَّيْءِ.
• دقَّ بينهم إسْفينًا: ويقصد به أنه فُرّق بين الطرفين عن طريق الوِشاية. والإسفِين: وَتَدٌ لِفَلقِ الخَشَب، وهو يسْتَعْمل فِي أغراض كَثِيرَة مِنْهَا ربط جسم بآخر، أَو الْإِبْقَاء على الانفراج في الشق، جمعه: أسافينُ. وهو من الكلمات المولدة التي أقَرّها مجمع اللغة المصريّ حيث أوردها في المعجم الوسيط، وأورد كذلك التعبير: دق بينهم إسفينًا، أي فرّق بينهم.
• دقَّ مسمارًا في النعشِ: تفيد هذه العبارة الاصطلاحية أن ما حدث- أيا كان- ساعد في الهلاك، وعجّل بالنهايات، كأن نقول: الجهاد في أفغانستان كان مسمارا في نعش الاتحاد السوفيتي. وهناك من يقول دق المسمار الأخير في النعش: ومعنى العبارة أن هناك سلسلة من الأحداث، لكن الحدث الأخير- وهو بمكانة المسمار الأخير الذي يغلق به التابوت أو النعش- الذي أوجب النهاية الحتمية. وهذا التعبير الاصطلاحي نظن أنه أثر من آثار الترجمة، حيث إن عملية دفن الموتى عند غير المسلمين- خصوصا في الغرب- قائمة على وضع الجثمان في تابوت أو نعش، ثم يدق مسمارا له مواصفات خاصة مخترقا سرة المتوفى داخل النعش.
* من الأخطاء الشائعة: قولهم: حفل زفاف نجلة فلان.
والصواب أن نقول: حفل زفاف كريمة فلان؛ لأننا نقول عن الابن “نجل” ولا نقول عن البنت “نجلة”. فلفظ نجل يدل على الولد الذّكر ولا يؤنّث، ويقابله كريمة فلان.
* من الفروق الدلالية الدقيقة في الكتابة قولهم: له أبحاث في مجال كذا. فالجمع “أبحاث” يفيد أنها لاتتجاوز العشرة.
أما قولهم: له بحوث في مجال كذا؛ فالجمع “بحوث” يفيد أنها عديدة وكثيرة تتجاوز العشرة، إلى ما لا نهاية.
وللحديث بقية إن شاء الله.