ثقافة

أبناء الصمت .. من دفع الثمن؟!

 

بقلم: شيماء عادل

 

لطالما ظهرت إمارات البطولة الحقيقية في تفاصيل الحياة البسيطة، في قصص الناس العادية… قد تظن إنها قصصًا مكررة، ولكنها التفاصيل يا عزيزي.. التفاصيل هي من تحول تلك البساطة إلى ملحمة.

 

 

• مقدمة لابد منها

 

في كل أفلام الحرب تجد في البداية إشادة بالتضحيات التى قام بها الجنود الذين أستشهدوا ودور القيادة في الإنتصار وما يلى كل تلك المقدمات … ماذا عن الذين شاهدوا الحرب وعاشوا! .. ماذا عن كل من يحارب في سبيل حياته هو ومن يحب ومن يرعى؟! .. ماذا عن الذين سحقهم المتخاذل والمتهاون والمرتشي ولصوص المناصب وحوّلهم إلى موتى وهم على قيد الحياه؟! ماذا عن أهاليهم؟!

لا أُنكر -طبعا- تضحيات الجميع في الحرب، ولكنى هنا أتحدث عن التضحيات التى يبذلها الناس العادية وقصصهم العادية التى من كثرة ما بها من معاناة صارت مملة .. وعادية.

أبناء الصمت لم تحكى عن القادة؛ ولكنها تحدثت عن الجنود -الذين ملأوا الخنادق وماتوا بأعداد يصعُب ذكرها- فأقاموا لهم ضريح الجندى المجهول .. الآف القصص، والحياوات، والتضحيات، والدموع، والحسرات .. ولكنها صارت مجهولة كأصحابها.

ربما كان هذا هو سر تلك القصص التى إحتواها كتاب أبناء الصمت للراحل مجيد طوبيا .. فبرغم أن مستوى الكتابة سردًا ولغةً لا يُوصف إلا بكونه عادياً؛ إلا إنك تجد سحرًا ما يغلفه ككل.. مجموعة قصص عن الحياه والموت تأتى أبناء الصمت – وصاحبة العنوان- في آخرها كأطول قصة فيهم .. قصة لا تهم فيها البداية أو النهاية -لأنك تعرفها مسبقًا-، ولكنها تفاصيل حياة الخندق وقصص الجنود، بلا حبكة، ولا تطور أحداث، ولا خاتمة سوى موت جندى وحياة آخر.

 

 

• أبناء الصمت

 

أبناء الصمت هي مجموعة قصصية للكاتب مجيد طوبيا -الذي توفي في أبريل 2022- والتى تحولت قصة منها (تحمل نفس الأسم) إلى فيلم عربي تم انتاجه عام 1974 بإسم أبناء الصمت للمخرج محمد راضي.

الكتاب من إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتم إصدار عدة طبعات مختلفة لدور نشر اخرى بعد ذلك بحجم لا يتجاوز ال 150 صفحة.

الفيلم من بطولة نور الشريف، ومرفت أمين، وسيد زيان، والسيد راضي، وأحمد زكي، ومجموعة كبيرة من النجوم .. أيضا شارك بليغ حمدي بموسيقى تصويرية بديعة ، كما شارك مجيد طوبيا -نفسه- بكتابة القصة والسيناريو والحوار.

-من الجدير بالذكر- أن السيد راضي كان قد إتفق مع شقيه المخرج محمد راضي بإنه سوف يقوم بمشهد رفع العلم المصرى، ولكن بعد أن تم التصوير تمت إعادته بجعل أحمد زكى يقوم بالدور دون علم السيد راضي، ليتفاجأ الأخير في حفلة العرض الخاص -والتى حضرها الرئيس السادات- بإستبداله وقال صارخا:(عملتها يا محمد) ولم يهتم بمن حضروا قدر إهتمامه بأهمية المشهد.

 

 

• بين الفيلم والكتاب

 

القصة المكتوبة جاءت أقرب للمقالية في وصف قصير؛ لذلك فأنها تُعتبر الخط الرئيسي أو مسودة لقصة الفيلم؛ خاصة أن مجيد طوبيا هو من كتب سيناريو الفيلم، فقام بتفصيل الشخصيات كما لم يفعل في القصة المكتوبة.

تحكى القصة في مجملها عن فترة ما بعد حرب الإستنزاف والنكسة وحتى حرب أكتوبر، من خلال مهمات يقوم بها الجنود ؛ وما كان وسط ذلك من تخلى الجميع عن حياتهم، وأحلامهم في مقابل الحرية من العدو الخارجى.

صورت أيضا دور الصحافة السلبي في تزييف الوقائع، وإظهار وجهها الآخر متجسدًا في شخصية رئيس التحرير، ومحاولة الأجيال الجديدة من الصحفيين بالتمسك بروح الصحافة الحرة، ومبادئها، وإرتباطها المباشر بالشارع.

الفيلم تم تصويره بقطاع الجيش في مدينة السويس، حيث قام الجنود بتمثيل المشاهد حية؛ فحصل الفيلم على المركز 74 في قائمة أفضل 100 فيلم في ذاكرة السينما المصرية في الفترة بين عامي (1927 – 1996).

أيضا ركز الفيلم علي تجسيد المشاعر التى صاحبت جيل الحرب وإستنزاف الحياه والأحلام الذي عانى منه الأفراد الذين عاشوا في تلك الفترة.. الأفراد الذين ضحوا -حقاً- بكل ما لديهم ليدفعوا ثمن نصر أكتوبر كاملا.

 

 

• في النهاية يظل كلٌ منّا بطلًا في موقعه سواء على جبهة الحرب أو ميدان الحياة .. نصارع أنفسنا أملاً في حياة تليق .. وموت مُشرف.

فتذكر أنما الحياة إختبار .. فأحسن إختيار الأجابة.

زر الذهاب إلى الأعلى