ثقافة

اللص والكلاب .. وقانون الغاب

 

 

بقلم: شيماء عادل

 

 

نتسائل دائماً عن سبب مُقابلتُنا للأوغادِ طوال الوقت!، ولماذا هُم دونَ غيرهم مَن تسير حياتَهم بسهولةٍ! .. لِمَ الأنقياء والموهوبين وأصحاب الضمير دائمًا في مواجهة كُلَ البؤسِ في العالم! .. ولِمَ هذا العالم غير ُعادل!؟

ولكن.. أليست الدنيا دار إختبار وبلاء؟..

 

اللص

اللص والكلاب هي رواية قصيرة، قائمة على الحوار بشكل رئيسي، كتبها نجيب محفوظ بعد ثُلاثيتهِ الشهيرة عام 1961، وإقتباسًا من قصة حقيقية شغَلَت الرأي العام في ستينياتِ القرن الماضي.

 

تحكى الرواية عن “سعيد” الذي خرج من السجن بعد قضاء مدة أربعة سنواتٍ، مشحونًا بدوافع الأنتقام من مساعده “عليش” الذي وشَى به وأدخله السجن، ومن زوجته التى اتفقت مع المساعد وتزوجا بعد سجنه، وحرماه من رؤية إبنته ولو مرة احدة، واستولوا على مالهِ وبيتهِ.

يحاول “سعيد” أن يأخذ أمواله وإبنته، لكن المال ذهب والأبنة لم تتعرف عليه وخافت منه، واستهزأ به الجميع فتضاعف لديه إحساس الغضب، وخرج عازمًا على الإِنتقام وهو يحمل بعض كتبه القديمة.

 

الكلاب 

يلجأ “سعيد” إلى “الشيخ علي” صديق والده الذي تكوَّر على نفسِه في صومعته تاركا الدنيا لأهلِها .. باحثًا عن مواساه أو مكانٍ يأويه، لكنَّه لم يجد عنده لا ردًا يُشفي قلبه أو يُهدىء مِن إِنفعالاته، ولا وجد عنده مكانا يبيت فيه، فخرج من عنده ناقماً، ليذهب إلى “نور” فتاة الليل والوحيدة التى قامت بمساعدته .. يلجأ “سعيد” -كَحَلٍ أخير- إلى صديقَ طفولتِه “رؤوف” الصحفي الذي ما أنفك يتحدث عن القيم والأخلاق، ولكنه فوجىء بِه يُعامِلُه كالحثالة بعدما تبدلت الأحوال.

لذلك وبعد رفض الجميع مساعدته، قرر الأنتقام منهم جميعاً.. إشترى سِلاحا وذهب ليقتل “عليش” و”رؤوف” فإذا بهِ متهماً بقتلِ اثنينِ من الأبرياء خطأً

أشعل صديقَ طفولته الرأى العام ضده، ونعته بأبشعِ الصفاتِ خاصة بعد أن حاول “سعيد” قتله.

تنتهى أحداث الرواية بإستسلام “سعيد” لمصيرِه والقبض عليه في الخاتمة.

 

بين الفيلم والكتاب

بعد إصدار الرواية بعام واحد تمَّ إِنتاج فيلم عنها بنفس الأسم، من بطولة: كمال الشناوي، وشكري سرحان، وشادية، ومن إخراج كمال الشيخ، وحوار صبري عزت.

 

▪︎ على غرارِ الرواية التي بدأت بخروج “سعيد” من السجن، يبدأ الفيلم بفلاش باك لمشهد وشاية “عليش” والقبض على “سعيد”.

يسير الفيلم بالتوازي مع الرواية، بخلاف بعض الإيضاحات الفنية التي ظهرت في الفيلم فأعطتهُ طابعًا فلسفيًا وعاطفيًا أكثر، سواء من خلال نظرات الأبطال، أو حوار سعيد مع نفسه، أو التركيبات الفنيه للمشاهد وزوايا تصوير الأبطال.

▪︎ في الفيلم لم يظهر حوار “سعيد” مع “الشيخ علي” كما في الرواية، والذى أُفرِّد له فصلٌ كامل. 

▪︎ في الرواية أيضا كانت مشاهد الأنتقام بحته بدافع الغضب، لكن في الفيلم إكتسبت بعضَ الفلسفة والعاطفة؛ وكأنَّ المخرج أراد إظهارَ دوافع القتل عنده وتبريرها.

▪︎ أيضا الجزء الخاص بمرضِ “نور” ونزول “سعيد” للبحث عن دواء لها؛ مما أدى إلى كشف مكان إختبائه، لم يكن مذكورا في الرواية.

▪︎ كما تجد أن “نور” إختفت من الأحداث تماما بعد القبض عليها، ولكن في الفيلم ظهرت وهى تتوسل له لتسليم نفسه .. كما أن البطل في الرواية إستسلم لمصيره وتم القبض عليه، لكن في الفيلم أطلَق من مُسدسه الرصاص ومات قتيلا كما حدث في القصة الحقيقية.

قدر أم إختيار 

من المثير للعجب هو أن كل الأبطال فاسدون بدرجات متفاوتة، فمنهم الفاسد داخليًا وخارجيًا، ومنهم الفاسد خارجيًا فقط ..

أيضا تُلاحظ أنَّ جميع الأبطال الأساسيين صفاتهُم وحياتُهم عكس اسمائِهم، ولا أدري إنْ كانَ هذا مقصودا أم جاء صدفة!.

 

يدفعنى هذا للتساؤل .. ماذا لو كان “سعيد” رأى في خروجهِ مِنَ السجن فرصة أُخرى للحياه، وترك فكرة الأنتقام؟! .. هل كان المجتمعُ سيرحَمَه، أم سيظل شبح السجن يلاحِقه باقي حياتِه؟

هل السجن حقًا هو عقوبة مؤقته كالخصم من المرتب أو الحرمان من المصروف، أم هو لعنة تطارد صاحبها؟!

 

ولا الشوكةِ يُشاكُها 

 

لطالما ظلت اختيارات البشر في الحياة لغزًا وإختبارًا صعبًا .. فلا تظن أنَك لمجرد ولادتك في حياةٍ صعبةٍ أنَّ تلك هي النهاية! أو هي المبرر الذي ستقوله أمام الله! ..ولا تظن أن هناك إنسان يعيش حياته مُرتاحًا ولا يعانى بشكل أو بآخر مهما بدا لك عكس ذلك -إلا لو كان من اهل النار-. 

قرأتُ حديثًا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يقولُ على شخصٍ لم يُعاني مِنَ الصداعِ أبداً أنَهُ مِن أهلِ النار! .. وأعتقد أنَّ المقصودَ هُنا ليست عِلةِ الصداعِ في ذاتها، قَدرَ ما هو يتكلم عَن أَنَّ كُلَّ ما يُصيب الإنسانَ هو كفارةٌ لَهْ مَهما صَغُر الوجع ومهما تَكرر وإعتاده الانسان.

 

 

• في النهاية إِنْ أخذتَ الدنيا مِن مبدأ أَنّها دارَ إختبارٍ لرضيت بكُلِ ما تُقابله ومِن تُقابلهم .. ولأدّركت أنَّ الأوغادَ لهُم رب، وأنَّ لكَ حقًا سيعودَ حتمًا .. ولَعلِمتَ أنَّ بيئتَك قد تكون هي إختبارك وبلاؤك، كما يُمكن أن يكون إختبارك هو عقلك وبِمَّ تفكر بِه، أو مالك وفيمَّ تُنفِقَهُ، أو حتى وقتك وفيمَّ تَقضيه.

لذلك؛ كُفَّ عَنِ المُبررات وأَحسِّن إختياراتك، وراجع صحيفتك قبل أن يُرفَع القلم عنها.

زر الذهاب إلى الأعلى