حريات TVآراء ومقالاتأحزاب وبرلمانحكاياتسياسية

هشام مبارك يكتب: جحا يعود للمدينة !

ضمن سلسلة مقالات «قنبلة مسيلة للضحك»

ماذا لو عاد جحا للحياة مرة ثانية؟ أقصد بالحياة هنا الحياة الدنيا التى لم يفارقها أحد وعاد إليها ثانية.ولو عاد الراحلون لوجدوا فيها اختلافا كثيرا.لكن أعني بسؤالي ما هو موقف شخصية مثل شخصية جحا لو عاد لهذه الدنيا وفى هذا العصر وليس فى العصور التى سبق أن عاشها على مر الأزمنة والأمكنة؟!

لم يخلد التاريخ اسطورة شعبية مثلما خلد شخصية جحا.تلك الشخصية التي أحبها الناس ووجدوها تعبر عنهم خير تعبير.يسخر من آلامهم دون أن يصادر آمالهم.جحا واحد من الناس الذين شعروا دائما بهمومهم وعرف كيف يفكرون وبم يحلمون.

فاحتل دائما مكانة مرموقة وظل بينهم حاضراً دائماً يستدعونه كلما احتاجوا إلى نوادره وحكاياته وسخريته التى لا تنتهى من كل شيء وأي شيء.كان جحا على مر التاريخ القنبلة المسيلة للضحك وسلاح الضعيف فى مواجهة قوى لا يقوى على مجابهته بالطرق العادية والتقليدية.

ولأننا فى زمان لا يبخل علينا بالمعجزات فقد فوجئنا بجحا وقد عاد للحياة من جديد.شاهده البعض بهيئته التقليدية الغريبة و بملابسه المميزة يسير فى شوارع القاهرة.الشائعات حول عودته كثيرة.البعض قال أنه خرج من ماسورة صرف صحى فى وسط البلد والبعض الآخر قال أنه شوهد يخرج من إحدى بوابات محطة مترو الأنفاق فى رمسيس.

بينما أقسم بعضهم انه تحدث معه وجهاً لوجه بل و اخذ معه صورة سيلفي تمهيداً لنشرها على صفحته على الفيس بوك.وحتى نتيقن من تلك المعلومة بحثنا على موضع الفيس بوك فلم نجد لجحا صفحة حتى الآن ولم نجد أى مستخدم نشر صورته سيلفي معه كما قال البعض.ربما يحدث ذلك فى وقت لاحق.فمن الصعب جدا أن يعود جحا للحياة وليس له أكاونت على الفيس بوك وربما على تويتر وانستجرام وغيرها من وسائط التواصل الاجتماعى.

جحا يعود للمدينة

ما يعنينا أنه عاد.لا نعرف إذا كان من سوء حظه أن يعود فى المدينة التى أصبح كل سكانها لا يقلون موهبة فى السخرية من كل شيء مثلما هو موهبة جحا,أم أنه سيكون من حسن حظه ليثبت أن لسخريته مذاق لم يقترب منه الأولون وبالتالى فلن يقترب منه الآخرون.

حاولت أن أسرح بخيالى لاتخيل مشاعر جحا وهو يجد نفسه وسط كل هذا الزحام والضجيج فى القاهرة وضواحيها ومؤسساتها.هل سيمكث فى العاصمة أم سيرحل إلى السواحل أو ربما الصعيد ليقضي وقته فيه بعيدا نسبيا عن كل سلبيات العاصمة المزدحمة؟

أسئلة كثيرة دارت فى ذهنى وأنا أحاول أن أعرف ما الذي تخبئه الأيام لجحا بعد عودته للمدينة.كيف يتكلم مع شعب لا يجيد أكثره إلا الكلام.وكيف سوف يستقبله الشباب الذين لم يسمعوا به من قبل ولا سمعوا بغيره فهم لا يسمعون إلا أنفسهم وأصواتهم على مواقع التواصل الاجتماعى.

بالتأكيد سيشتري جحا موبايل وربما سيحتاج لفترة للتدريب عليه.هل سيعجبه أم هل سيحاول العودة لأسلوبه القديم فى التواصل مع الناس الذين شغلهم موبايلاتهم وظروف حياتهم فانغمسوا فيها حتى الثمالة,لا يعرفون غيره وسيلة للتواصل؟.

هل جحا الذي عاد مؤخراً سيكون هو نفسه  “دجين بن ثابت الفزاري” الذي العاش فى القرن الأول الهجري، أي السابع الميلادي، وتعود إليه أقدم القصص المنسوبة إلى جحا في التراث العربي، وقد كان يلقب بجحا وكان ظريفاً، لكن يقال إن الكثير من القصص المنسوبة حوله هي مكذوبة في واقع الأمر.أم سيكون جحا الخيالي الذي أوجدته الأساطير الشعبية وليس له علاقة بالواقع.

أم أنه جحا الذي كان كثير من الرجال يعدونه مثلهم الأعلى خاصة فى قصة العلاقة بالمرأة عندما قال:لعن الله من تزوج قبلي ولم ينصحني ومن تزوج بعدي ولم يستشرني. تلك المقولة التى جعلت فنانا بحجم بشارة واكيم يضرب عن الزواج ويقول وإذا كان المرحوم جحا، وهو أبو التفانين قال ذلك بعد أن شرب مقلب الزواج. فماذا يعمل بشارة الغلبان إذا كان جحا- ذات نفسه – غلب حماره؟

على كل حال دعونا لا نستبق الأحداث وكما قال جحا ذات نفسه فى عدم استعجال الشيء قبل حدوثه”خلى البكاء على راس الميت” بمعنى لا تبكى على المرحوم بمجرد أن تسمع خبر وفاته, بل ادخر دموعك للحظة الدفن وادخر مجهودك لترتيب الجنازة والخارجة ووقت الدفن ابكى براحتك.بمعنى آخر لا تتجاهل الأولويات ولا تتعجل النتائج ودع كل شيء لوقته,فالايام وحدها هي التي ستثبت هل عودة جحا هذه الأيام نعمة له أم نقمة عليه.هل يتناول ارجل الفراخ أم يفضل الطعام القرديحى.

هل سيركب التوكتوك أم سيكون من نجوم التيك توك وهو يضمن مسبقا ملايين المتابعين الذين سوف يشاهدون فيديوهاته خاصة لو احتفظ بملابسه الغريبة وظهر بها على اليوتيوب. فلننتظر لنرى ماذا ستفعل الايام بجحا وماذا سيفعل هو معها,كل ما علينا أن نراقبه فى رحلته هذه لعله يقدم لنا وللأجيال الجديدة دروسا ربما تنفعهم كما نفعتنا ونفعت السابقين, قولوا آمين.

زر الذهاب إلى الأعلى