

د. يسري عبدالعال
نواصل -عزيزي القارئ – ذكر بعض المتفرقات الأدبية واللغوية، منها ما يتعلق بأصول دلالات بعض العبارات، أو تصويبات لغوية لأخطاء تشيع على الألسنة.
“دموع التماسيح”: مقولة أو مَثَل يُضرب لمن يتباكى ويتظاهر بالحزن؛ لأن التَّماسيح تسيل دموعها وهي تلتهم فريستها، فهي كِنَايَة عَن النِّفَاق وَالْخداع.
وهذه المقولة أصلها قول ابن المعتز المتوفى296ه= 908م ، أي القرن الثالث الهجري الموافق العاشر الميلادى، في ديوانه طبعة صادر ص 504، وطبعة دار المعارف 2/28 حيث يقول:
ثم بكوا من بعده وناحوا كذبا كذاك يفعل التمساح
وفيهما (جهلا) بدلا من(كذبا)، وما نقرره هنا نعده ردا على كثير من المواقع الذين يرددون أن عبارة “دموع التماسيح” تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادى من خلال رحلات السير جون ماندفيل، وبعده في كتابات ويليام شكسبير.
ولعلنا من خلال المنهج المقارن يمكن أن نستنتج أن السير جون ماندفيل- وهو رحالة- أخذها من مقولة ابن المعتز، وكذلك لا نستبعد أن شكسبير أيضا أخذها من مقولة ابن المعتز، خاصة إذا علمنا أن شكسبير اقتبس شخصية عطيل من شخصية عنترة، ومن أراد الاستزادة في هذه الجزئية فليرجع لبحث بعنوان “الجذور العربية في الآداب الأوروبية.. في الأدب المقارن: عطيل شكسبير وعنترة بن شداد .. من صحراء العرب إلى مسرح لندن”. العدد: 8 مجلة جامعة الملكة أروى، حيث أثبت القائمون بالبحث أن شخصية عطيل مقتبسة من شخصية عنترة.
حمِي الوطيسُ: تستخدم هذه العبارة للتعبير عن اشتدّاد الحربُ أو اضطرام الأمرُ، جاء في لسان العرب مادة (وطس): عن الأَصمعي: “الوَطِيس حِجَارَةٌ مُدَوَّرَةٌ فإِذا حَمِيَتْ لَمْ يُمْكِنْ أَحدًا الْوَطْءُ عَلَيْهَا، يُضْرب مَثَلًا للأَمر إِذا اشْتَدَّ: قَدْ حَمِي الوَطِيسُ. وَيُقَالُ: طِسِ الشيءَ أَي أَحْمِ الْحِجَارَةَ وضَعْها عَلَيْهِ”.
وزعم عدد ليس بقليل من الكتاب والمؤلفين قديما- ومنهم صاحب لسان العرب- أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أول من قال: (حمي الوطيس) فِي يوم حُنَيْن أو يوم مؤتة على اختلاف الروايات، ونص كلامه: “وَهِيَ كَلِمَةٌ لَمْ تُسمع إِلا مِنْهُ”. هذا وقد رد هذا الزعم المرحوم الدكتور محمود الطناحي في هامش تحقيقه للأمالي الشجرية3/215، حيث قال: “هذا وقد حكى التبريزي عن أبي العلاء، قال: “وبعض الناس يدّعي أن أول من قال “حمي الوطيس” النبي (صلى الله عليه وسلم)، وما أحسب هذا إلاّ وهما؛ لأن الوطيس قد كثر في الشعر القديم”. ثم أنشد بيت تأبط شرّا المتوفى سنة 50 قبل الهجرة:
إني إذا حميَ الوطيسُ وأوقدتُ … للحربِ نار منيةٍ لم أنكلِ
• جاءوا على بَكرة أبيهم، أو جاءوا عن بَكرة أبيهم: هذا مثلٌ، ويقصد به أن القوم جاءوا جميعًا لم يتخلّف منهم أحد. والبَكرة: الفتية من الإبل. وبالبحث في أصل هذا المثل وجدنا اختلافا، فقيل إنَّ أصل هذا المثل أنَّ قوما قتلوا فحملوا على بكرة -أي ناقة فتية- لأبيهم فقيل فيهم ذلك، ثم صار مثلا للقوم يجيئون معا. وقيل إنَّ البكرة هاهنا هي بكرة الدلو، والمعنى: جاءوا بعضهم في إثر بعض كدوران البكرة على نسق واحد. وقيل: أريد بالبكرة الطريقة أي: جاءوا على طريقة أبيهم يقتفون أثره.
وهناك قصة ذكرها بهاء الدين العاملي صاحب كتاب “الكشكول” فقال: “وأصل هذا المثل أنه كان لرجل من العرب عشرة بنين، فخرجوا إلى الصيد، فوقعوا في أرض العدو، فقتلوهم ووضعوا رءوسهم في مخلاة، وعلقوا المخلاة في رقبة بَكرة –ناقة – كانت لأبي المقتولين، فجاءت البكرة بعد هدأة من الليل، فخرج أبوهم وظن الرءوس بيض النعام وقال: قد اصطادوا وأرسلوا البيض، فلما انكشف الأمر قال الناس: جاء بنو فلان على بكرة أبيهم”. وهكذا يضرب المثل للجماعة إذا جاءوا كلهم ولم يتخلف منهم أحد.
وللحديث بقية إن شاء الله.