حكايات

اللغة النوبية أقدم لغات التاريخ

بقلم الروائي النوبي: عبدالمجيد حسن خليل

النوبيون كما قال المؤرخ الأغريقى “دروس سلكيلوس” من أول السلالات البشرية على الأرض ولهذا تعتبر اللغة النوبية من أقدم اللغات التي نطق بها الأنسان وهذا القدم أدى إلى صعوبة تتبع تاريخ اللغة النوبية من بدايتها فقد طرأت عليها تغييرات كثيرة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن ، ولم يتوصل علماء المصريات والآثار والباحثون إلى أصل اللغة النوبية وقال بعضهم أنها لغة حامية وبعضهم قال أنها سابقة للحامية وأنتهى آخرون إلى أنها لغة مجهولة الأصول .

وأقدم ذكر للنوبة ورد في الآثار المصرية يرجع الى عصور ما قبل الميلاد عندما قام أحد ملوك الأسرة الرابعة”الملك سنفرو” بغزو النوبة في الجنوب وعاد بسبعة آلاف أسير نوبى أستعملهم في بناء هرم سقارة وأستخدم هؤلاء العمال النوبيون اللغة الهيروغليفية لكتابة لغتهم النوبية ، أما النوبيون في الجنوب فكانوا يستخدمون لغة مملكة “مروى” التي تقع على النيل جنوباً لكتابة لغتهم النوبية المحلية ومنذ القرن الأول للميلاد وفى العصر المسيحى حدث أختلاط كبير بين النوبيين وبين المسحيين الذين فروا لبلاد النوبة هرباً من قهر وظلم الرومان.

هذا الإختلاط ساعد النوبيين على أستخدام الحروف القبطية في كتابة لغتهم النوبية وتوسعوا في ذلك وأزدهرت الحضارة النوبية في العصر المسيحى وتم بناء الكنائس وأنتعشت الفنون وتم إكتشاف نصوص ونقوش نوبية يرجع تاريخها للعصر المسيحى كتبت بالحروف القبطية وأهتم بهذه النصوص عالم انجليزى اسمه “جريفز” وجمعها في كتاب تحت عنوان “نصوص نوبية من العصر المسيحى، واللغة النوبية الحالية التي يتحدث بها النوبيون في مصر والسودان هي أمتداد للغة النوبية التي كانت مستخدمة في العصر المسيحى والفرق الوحيد أنهم كانوا قادرين على كتابتها بالحروف القبطية وكانت لغة رسمية لكل بلاد النوبة وأننا الآن إزاء موروث غنى وثمين ولكنه منطوق فقط ولم يتم الإهتداء حتى الآن لكيفية كتابته بصفة نهائية.

لهجات مختلفة

واللغة النوبية التي ينطق بها الماتوكية والفديكات لغتان من أصل واحد ويمكن القول أنهما لهجتان وأوجه الشبه بينهم كبير فمثلاً كلمة نعم بالعربية في اللهجتين تعنى”أيو”،واللغة النوبية تتكون من ستة عشر حرفاً عربياً لها نظائرها في اللغات الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية والحروف هي (أ-ب-ت-ج-د-ر-س-ش-ف-ك-ل-م-ن-هـ-و-ى)واللغة النوبية ليس بها آداة التعريف “ال” وأيضا ليس بها بعض الحروف مثل (ث-ح-خ-ط-ظ-ع-غ).

ولهجة الماتوكية يتحدث بها عدة قرى هي : دابود – دهميت – الأمبركاب – كلابشة – أبو هور – مرواو – ماريا – جرف حسين – قرشة – كشتمنة شرق وغرب – الدكة – قورتة – العلاقى – السيالة – المحرقة – المضيق – ويتحدث بهذه اللهجة النوبيون في مدينة دنقلة في السودان).

ولهجة الفاديكات يتحدث بها عدة قرى وهى : (كروسكو – أبو حنضل – الديوان – الدر – توماس وعافية – قته – أبريم – الجنينة والشباك – عنيبة – مصمص – توشكى شرق وغرب – أرمنا – أبو سمبل – قسطل – بلانة – ادندان – ويتحدث بنفس اللهجة أهل المحس والسكوت في النوبة السودانية )وهناك قرى تقع في ذمام أرض النوبة بين الماتوكية والفاديكات لا تتحدث باللغة النوبية وليس لها لغة إلا العربية وهى قرى: (وادى العرب – المالكى – السبوع – شاترمة – السنقارى).

قبل التهجير

واللغة النوبية كانت سائدة ومنتشرة بين كل أهل النوبة سواء في النوبة القديمة أو خارجها قبل التهجير وأفادت الإحصائيات الرسمية وقت التهجير أن نسبة الذين لا يتحدثون باللغة العربية ولا يجيدونها كانت ٢١٪ وأصبح الأمر الآن جد خطير حيث تتعرض اللغة النوبية لخطر الإنقراض وخطر الإندثار حيث لا يتحدث بها الآن غير كبار السن فقط من الرجال والنساء ويجهلها تماماً الأجيال الحديثة من النوبيين ،وأصبحت الفنون النوبية التي تساعد على إنتشار اللغة وأستخدامها مثل الغناء لا تتضمن الأغنية كلمة واحدة نوبية وليس فيها من النوبية غير الألحان والموسيقى وأنقرضت فنون السرد والحكايات الشعبية التي مارسها الأمهات والجدات باللغة النوبية وكان يتعلم منها الأجيال الصغيرة اللغة،ولإبداع النوبى من الروايات والقصص وغيرها يكتب باللغة العربية وليس بالنوبية وأن كان المضمون عن المجتمع النوبى،والسؤال الملح أين دور الجهات المعنية بالثقافة والتراث في الحفاظ على اللغة النوبية الكنز المصرى الثمين من خطر الأنقراض.

وجدير بالذكر أن اللغة النوبية كانت أحد أهم أسباب الإنتصار في حرب أكتوبر 1973 وتنسب الفكرة إلى الصول أحمد محمد أحمد أدريس الشهير بأحمد أدريس ووافق عليها الرئيس السادات كشفرة في حرب أكتوبر وجعل الرئيس في كل غرفة عمليات جنديا نوبيا ينقل التعليمات بالشفرة النوبية بدلاً من الشفرة التقليدية، وعجز خبراء اللغات في إسرائيل عن فكها.

زر الذهاب إلى الأعلى