تقرير بقلم:
غدير سامي
تستمر قوات الاحتلال الصهيوني في تعمد استهداف الصحفيين خلال الحرب الوحشية على قطاع غزة، بهدف اغتيال الرواية الفلسطينية ومحاولة لطمس الحقيقة، ومنع وصول المعلومات والأخبار إلى الرأي العام الإقليمي والعالمي.
قتل متعمد بدم بارد، وترويع واعتقالات، واستهداف لأفراد العائلة والمنازل والممتلكات، هذه هي وقائع الحياة اليومية للصحفيين في قطاع غزة، هذا إلى جانب التهديدات والاعتقالات خارجها في بقية أنحاء فلسطين، في محاولات لا تنتهي من الاحتلال لإسكات صوت الحقيقة الذي يفضح ممارساته ويُعرّي مزاعمه أمام العالم.
مقبرة الصحفيين
وصفت منظمة “مراسلون بلا حدود”، قطاع غزة بأنه “مقبرة الصحفيين”، وذلك بسبب تعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي قتل عدد كبير من الصحفيين والمراسلين، بلغ عددهم 86 مراسلاً، بالإضافة إلى فرض قيود خانقة على عمل الصحفيين في القطاع الفلسطيني، الذي يتعرض لعدوان متواصل منذ 7 أكتوبر الماضي.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” عن المنظمة، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تمارس مختلف الطرق لإعاقة عمل الصحفيين في الميدان، وتقطع الإنترنت عنهم، وترسل رسائل التهديدات إليهم، كما تمنع الصحفيين الأجانب من الدخول إلى قطاع غزة.
وتتبعت المنظمة في تقريرها السنوي، الذي نشرته الخميس 14 ديسمبر الجاري، ملامح الانتهاكات التي تلحق بمهنة الصحافة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك عمليات الاغتيال والسجن والاختفاء، والكشف عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، والتي دفع صحفيون في غزة حياتهم ثمنا لذلك، وفقد بعضهم ذويهم عقابا لهم.
آخرهم الدحدوح وأبو دقة
أصيب اليوم الجمعة 15 ديسمبر، وائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة وسامر أبو دقة مصور القناة خلال تغطيتهما قصفا إسرائيليا استهدف مدرسة في خان يونس جنوبي قطاع غزة، فيما أطلقت مناشدات لإجلاء محاصرين ومصابين من المكان.
وقالت مراسلة الجزيرة هبة عكيلة إن وائل وسامر أصيبا أثناء عملهما في محيط مدرسة استهدفتها قوات الاحتلال صباح اليوم الجمعة.
وأضافت أن الزميلين أصيبا بشظايا صاروخ أطلقته طائرة استطلاع إسرائيلية.
وأوضحت أن وائل أصيب في ذراعه ونقل إلى مجمع ناصر الطبي في خان يونس لتلقي العلاج، أما الزميل سامر أبو دقة فلا يزال محاصرا داخل مدرسة فرحانة، إذ لم تتمكن فرق الإسعاف من إجلاء الجرحى من المدرسة.
الانتقام من العائلات
لا تقتصر الاعتداءات الإسرائيلية على الصحفيين في الميدان، بل تمتد إلى قصف أفراد عائلاتهم في البيوت، وهو ما عبَّر عنه الزميل وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، بعبارته: “بينتقموا منا في الولاد”.
كان قوات الاحتلال قد استهدفت أفراد من عائلة الدحدوح -بمن فيهم زوجته وابنه وابنته- في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا نزحوًا إليه في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة في 25 أكتوبر الماضي.
ويوم الاثنين الماضي، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة الصحفي في قناة الجزيرة أنس الشريف في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، وهو ما أدى لاستشهاد والده. وجاء القصف بعد تهديدات تلقاها الشريف من جيش الاحتلال.
واستشهد أيضا والدا مراسل قناة الجزيرة مؤمن الشرافي وعدد من أشقائه وأطفالهم بقصف الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جباليا.
وكذلك استشهد 19 شخصا من عائلة المراسل بقناة الجزيرة محمد أبو القمصان، بينهم والده واثنتان من أخواته في مجزرة بمخيم جباليا أيضا.
وربما يُعَدُّ مشهد استشهاد مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة واحدًا من أبرز المواقف الشاهدة على مدى تعمد الجيش الإسرائيلي لاستهداف الصحفيين، وغياب آليات المحاسبة والتحقيق الناجعة.
سجلت الكاميرات مشهد القتل الدموي بتفاصيله ليُذاع في مختلف الشبكات الإخبارية حول العالم، ورغم ذلك أنكرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ارتكابها للجريمة.
قبل أن تُواجَه بمجموعة من الأدلة الدامغة، من بينها تقرير الهيئة التابعة للأمم المتحدة بأن القوات الإسرائيلية استخدمت “القوة المميتة دون مبرر” في استهدافها شيرين أبو عاقلة، بالإضافة إلى التحقيقات التي نشرتها شبكة “سي إن إن” وصحيفة “نيويورك تايمز” حول الواقعة، وتأكيدات شهود العيان والمحللين الجنائيين أن مقتل شيرين أبو عاقلة كان استهدافا متعمدا وليس عشوائيا.
ورغم بشاعة الجريمة، لم تمضِ سوى أشهر قليلة على اغتيال أبو عاقلة قبل أن تقتل قوات الاحتلال الصحفية والأسيرة المحررة غفران وراسنة بطلقات استهدفت الجزء العلوي من الجسد. وفيما يبدو، تحظى عمليات الاغتيال الإسرائيلية للصحفيين بقبول ودعم سياسي، فقد صرح عضو الكنيست الإسرائيلي (ووزير الأمن القومي حاليا) إيتمار بن غفير في تغريدة نشرها في اليوم نفسه الذي قُتلت فيه شيرين أبو عاقلة بأنه يؤيد إطلاق النار على الصحفيين الذين يعيقون عمل الجنود، على حد زعمه.
قصف مقرات إعلامية
لا يقتصر الأمر على الصحفيين أفرادا فقط، ولا على عائلاتهم، فقد قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 50 مقرا إعلاميا أجنبيا ومحليا داخل قطاع غزة خلال الفترة الماضية، من بينها مكاتب عدد من المؤسسات الإعلامية في برج الغفري في غزة، الذي يضم وكالة الأنباء الفرنسية، وقناة الجزيرة، وقناة الشرق، والمجموعة الإعلامية الفلسطينية. كما تعطلت الإذاعات الأربعة والعشرون في قطاع غزة وتوقفت عن البث بسبب نفاد مصادر الطاقة.
وقد حذرت قوات الاحتلال بشكل مباشر بعض وكالات الأنباء العالمية من عدم قدرتها على ضمان سلامة موظفيها أثناء القصف، من بينها وكالة رويترز التي علقت على هذا التحذير بأنه “يهدد قدرة موظفيها على إيصال الأخبار حول الصراع دون خوف من الإصابة أو القتل”.