تقرير بقلم
غدير سامي
في الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل حربها ضد قطاع غزة رداً على عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، كانت الحرب الروسية في أوكرانيا قد مرّ عليها قرابة 20 شهرًا، إذ بدأت روسيا هجومها أو ما تطلق عليه “العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا” في 24 فبراير 2022.
واختلف الموقف الغربي بين الحربين، فبينما تصاعدت الدعوات ضد روسيا وجرى تقديم مساعدات مالية وعسكرية لأوكرانيا واستقبال اللاجئين منها لكي تستطيع مواجهة الآلة العسكرية الروسية، تجاهل الغرب تماماً هذا مع غزة، ولم يكن دعمه المالي والسياسي والإنساني بنفس الشكل، بل وامتدت ازدواجية معاييرهم إلى تقديم كل الدعم والمساندة لآلة الحرب الإسرائيلية لإبادة الشعب الفلسطيني.
ازدواجية واضحة
في بداية ديسمبر الجاري، تخطى عدد من استشهدوا جراء القصف الإسرائيلي 11 ألف شخص، قرابة نصفهم من الأطفال، بينما قتل نحو 9806 أوكرانيين حتى الثامن من أكتوبر الماضي.
وفي يوليو الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أنه بعد مرور 500 يوم من بداية الحرب الروسية الأوكرانية وصل قتلى أوكرانيا إلى 9 آلاف بينهم 500 طفل، ويعادل قتلى أوكرانيا خلال نحو 17 شهراً، قتلى قطاع غزة -بل وأكثر منهم- خلال شهر فقط.
وقدمت الدول الأوروبية الدعم الصحي والنفسي والتعليمي للأطفال والنساء من أوكرانيا، خصوصاً من وصلوا إلى حدود الدول الأوروبية ويقدرون بـ90% من إجمالي لاجئي أوكرانيا.
وتكرس فرنسا مثلاً 58% من مشاريعها الإنسانية لدعم الأوكرانيات، في المقابل تمتنع إسرائيل عن إخراج الجرحى للعلاج في مصر من دون إدانة غربية للأمر، ويلقى الجانب الإسرائيلي الدعم الغربي والحديث عن حق تل أبيب في “الدفاع عن نفسها” بشكل دائم.
مع بداية الحرب الروسية-الأوكرانية، كان موقف الاتحاد الأوروبي من التدخل الروسي، هو الانخراط مباشرة في الصراع لمساعدة أوكرانيا وشعبها، باعتبار أن روسيا تهاجمهم “دون أي مبرر”.
وقدم رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي أوكرانيا دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد، – في اجتماعهم خلال شهر يونيو 2022 -السلاح والمال والمساعدات الإنسانية العاجلة لكييف لكي تدافع عن نفسها أمام “الغزو الروسي” حسب ما يطلق عليه الغرب.
وقد كان موقف الولايات المتحدة أيضاً مع أوكرانيا، معتبرة ما تفعله موسكو “عدواناً”، وتعد واشنطن الجنود من أوكرانيا “مدافعين شجعاناً”، حسب بيانات الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى أنه جرى توقيع قرارات عقوبات اقتصادية من قبل أوروبا وأمريكا على موسكو وأشخاص في الحكومة الروسية، بالإضافة إلى الدعم العسكري لأوكرانيا الذي يقدر بمليارات الدولارات.
وفي المقابل، أجمع قادة أوروبا على إدانة حركة حماس خلال اجتماعهم الأخير قرب نهاية الشهر الماضي. وفي حين اكتفت الدول الأوروبية مثل فرنسا وهولندا وإيرلندا بتأييد دعوات الأمم المتحدة لوقف القتال في غزة لأسباب إنسانية، كانت دول ألمانيا والنمسا والتشيك ترفض هذه الدعوات واعتبرتها تعمل على “الحد من قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها”، وهي دول مؤيدة لإسرائيل في حربها.
ويعتبر المستشار الألماني أولاف شولتز، أن “إسرائيل دولة ديمقراطية وجيشها يحترم القانون الدولي عند التعامل مع الفلسطينيين في القطاع”، كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اقتراحه توسيع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي لكي يشمل حركة حماس.
الصحافة الغربية تستنكر
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال – في بداية ديسمبر الجاري – تقرير لشرح تنامي الاتهامات للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها بأنهم يتعاملون بـ”معايير مزدوجة” تجاه الصراعين في أوكرانيا وغزة.
وأصبحت أوكرانيا وغزة محور النقاش العالمي وفي السياسية الأميركية، إذ تسبب ردود الفعل المتناقضة في “اتساع الهوة بين الديمقراطيات الغربية وبقية الدول، إذ أدت الاتهامات المتبادلة بالمعايير المزدوجة إلى تأجيج المشاعر”، بحسب الصحيفة.
وأشار التقرير إلى أن ارتفاع عدد الجثث في الشرق الأوسط، يشكل تحديا استراتيجيا للغرب الذي وضعوا دعمهم لأوكرانيا ضمن “إطار أخلاقي صارخ”، وهو ما أصبح حتى مشكلة معترفا بها داخل واشنطن.
وقالت صحيفة فورين بوليسى إن المشكلة الأكثر ضررًا بالنسبة لأوكرانيا هى اتهامات النفاق التى يوجهها المراقبون وصناع السياسات من مختلف أنحاء الجنوب العالمى إلى الغرب، حيث رأى الكثيرون حول العالم منذ فترة طويلة معايير مزدوجة فى الغرب الذي يدين الاحتلال غير القانونى فى أوكرانيا بينما يقف أيضًا بقوة خلف إسرائيل، التى احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1967 وتحتفظ بالمستوطنات فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وهى خطوات تعتبر غير قانونية من قبل معظم المجتمع الدولى، كما تفرض إسرائيل أيضًا حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا على قطاع غزة منذ عام 2007.
ويؤكد خبراء أن المسألة الأساسية في تعامل الغرب مع أوكرانيا وغزة، هي أن الأولى دولة ذات سيادة ومعترف بها من قبل الأمم المتحدة، أما في غزة، فالغرب يعتبر حماس حركة “إرهابية”.
كما أن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية يريدان بقاء إسرائيل في المنطقة”، وبالتالي “الموافقة على تعاملها مع ما يهددها من أخطار”.