آراء ومقالات

روح الكاتب الممزقة بين طيات كتاباته

بقلم: هدير القصاص

يضع الكاتب جزءا من أجزاء روحه فى كتاباته فتكون هى الأصدق على الإطلاق وحتى وإن كانت من وحي خياله ولكن الكاتب يتلبسه روح يقول عنها روح الكتابة ولكنه فى الحقيقة يعتصر روحه بحواسه ويجعل خياله يجمح فى صحراء عقله ووادى قلبه وتتجمع كل المشاعر المضادة، فتشعر وانت أمامه وكأنه فى واد آخر لا يلمحك ولا يطرف بعينه ولا يشعر بالمكان ولا بالزمان، لأنه بجسده أمامك ولكن بقيته فى مكان وزمان آخر وهو فى الحقيقة شخص آخر. 

ولا أتحدث عن الروائى فحسب ولكن حتى وانا أكتب هذا المقال الآن استرجع حالة الكتابة واتذكر نفسى وانا غاضبة وانا خائفة وانا أبكى وانا اضحك وانا متفائلة وانا مضطربة وانا متشائمه، فكل كلمة كتبتها يداى شعر بها قلبى وتحرك بها خيالى وعشت بهذه المشاعر فالكتاب هو وليد تلك الحالة التى تلبسني، وأشعر بعدها بإنهاك كبير جدا لأنني أتنقل أحيانا بين المشاعر المختلفة فى حين أن من أعيلهم وأهتم بأجلهم يرجعوني إلى أرض الواقع، أو ينفصل عقلى عن خيالى لأفكر فى واقع مرير أو سعيد، 

مقالات ذات صلة

وكنت أحسب أن الكتابة بالشيء اليسير ولكن إذا لم يكتب الكاتب بالطريقة التى شرحت هل ستصل للقرائ أو للسامع تلك المشاعر المختلفة وتلك التنقلات وتلك الصدمات وتلك الضحكات؟ بالتأكيد لا. ولذلك إذا وجدت كتابا فبجله لأنه به روح وهو ليس مجرد حبر على ورق، به مشاعر وبه تجارب وبه صدق وحتى وإن كان كذباً. ولا تستغرب هذا لإن الكذب المكتوب هو من أعمق جزء فى روح الكاتب إما كان هذا الكذب يريده بالفعل أو فعله وينكره أمام الناس. 

وما الكتابة ألا تحرر الفكر وتحوله إلى حبر يظهر للناس العادية وكأنه مجرد كلام ولكن بالنسبة للقارئ فهو يدخل فيه ويعيش ويشعر شعور البطل أما الكاتب فهو البطل بذات نفسه البطل بكل كيانه بسخفاته وذلاته وعوراته واحباطاته وآماله. 

فأنظر لأعين كاتب وأسأله عن جزء لمسك فى كتاباته وتجدها مرآه تعكس مشاعر كلماته. وحتى وإن كتب كتابا وليس برواية ولكنها مليئة بالقصص أو بالعبر أو أيا ما يكن فستجد نفس تلك النظرة لأنه بالنسبة له جزء من روحه فى هذا الورق، ويتذكر نفسه وهو يكتب تلك الكلمات ويتذكر تلك القصة التى لمسته والتى كانت فى الحقيقة قصته هو شخصيا أو قصة لامست قلبه أو قصة من وحى خياله فهى مزيج من قصص حدثت حوله وأراد تغيير النهايات ولكنه لم يستطع فغيرها بقلمه. ستجد الكاتب ذلك الهادئ المغامر الضاحك الباكي الغاضب الصابر الثائر المطيع القنوط الراضى فهو ملحمة فكرية وإن كان لا يتمتع بثقافة عالية جدا فتجده على علم كبير وهو يري نفسه حبة رملة وسط صحراء ولكنه لا يعلم أنه ذو لون مختلف يختلف عن باقى الرمل، يحب الوحدة على الرغم من طبيعته الاجتماعية فيريد المكوث فى كهفه وحيدا لا يريد صوت ولا حتى همس لأن رأسه مليئة بالضجيج وصوتها مرتفع جدا والصداع يلازمه، وتجد أكثرهم يدخنون ليس لأن طعم السيجارة حلو المذاق ولكنه مثل البركان يريد أن ينفث ما بداخله ينفث وإلا إنفجر، ويحب شرب القهوة كثيرا لأنه يتمنى أن تساعده على ترتيب أفكاره وجمح خياله بوضعه على ورق. ولولا الورق ما كان ليستطيع العيش لأن لا أحد يستطيع كتمان كل ما يحمله هذا البشري الذي إذا تكلم مع أحد ينعته بالجنون لأن الكاتب له رؤية مختلفة تحليلية ويتوقع حتى الصدف القدرية التى لا يتوقعها غيره. والغريب مع هذا المزيج أنه يعاني من مشاكل يعلم علم اليقين حلها ولكنه لا يستطيع إلا مع شخص يتفهمه يسمعه يحبه كما هو، وهذا الشخص يتمثل فى صفة أخ أو اخت أو أم أو شريك حياة أو صديق، ويكون أمثل شخص يشاركه اضطراباته شريك الحياة لأنه سيكون هو الآخر مزيج عجيب يتمتع بصفات معاكسة تمنحه فهم لهذا الكائن القابع تحت راية الكتابة. فيشاركه كتاباته لأنه سيكون هذا الشريك جزء من أجزاء روحه التى سيمزقها بين طيات كتاباته. 

وأجمل مجتمع يجتمع به هو مجتمع الكُتّاب فتجده يهرع إلى مجالستهم لأنهم يفهمون بعضهم البعض ويشعرون بمشاعر بعضهم البعض ويساعدون بعضهم البعض سواء بأفكار جديدة أو تجارب مختلفة أو رؤى مختلفة تساعدهم لتطور كتاباتهم وهذا التطور ليس على المستوى اللغوي ولكنه على مستوى وصف ما يشعرون به من مشاعر هائمة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى